السلامـ عليكمـ وَ رحمة الله وَ بركاته ..
اللهم صلَّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم ..؛
السيد محمد مهدي القزويني
محمد مهـدي القزويني
شخصيـة منسيـَّة من تاريخ الـكويت
المرحوم – محمد مهدي القزويني- سيد جليل وعالم فاضل، وصل إلى الكويت عام 1908م أي قبل مائة عام وهو العلامة السيد مهدي القزويني الذي عاش في الكويت لسبعة عشر عاماً، وفي مرحلة مهمة وحساسة من تاريخ الكويت، وله من الأدوار المهمة والمواقف الطيبة خلال تلك الفترة.
السيد محمد مهدي بن السيد صالح بن السيد الموسوي الكاظمي القزويني، ولد في الكاظمية في بغداد عام 1865م، وعند بلوغه السابعة بدأ بتعلم قراءة القرآن الكريم والبعض من العلوم الأولية على يد جماعة من أهل العلم، وفي سن العاشرة شرع في دراسة علوم النحو والمنطق والبيان وبعض فنون الفقه، درس بعدها بعض كتب أصول العقائد على يد كبار الفقهاء، ولما بلغ السابعة عشرة هاجر إلى مدينة سامراء وكان ذلك في العام 1882م وبقي هناك مدة يواصل الدرس والتنقيب، بعدها سافر إلى النجف الأشرف بهدف التوسع في العلوم الدينية خاصة حتى نال درجة عالية من العلم، وتركها عائداً مرة أخرى إلى سامراء كي يتفرغ للبحث في العلوم المنقولة والمعقولة على أيدي كبار العلماء المشهورين، كآية الله السيد محمد حسين الشيرازي (صاحب فتوى التنباك ضد بريطانيا) وآية الله الميرزا محمد تقي الشيرازي- قائد ثورة العشرين في العراق، والسيد محمد الهندي، وغيرهم، وبقي في سامراء حتى عام 1896 عندما سافر إلى إيران ماراً بطهران وقم حتى مشهد التي مكث فيها ست سنوات وتركها إلى مصر والشام ومنها إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.
بعد أن أتم حجه قصد المدينة المنورة كي يتشرف بزيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهناك اجتمع مع عدد كبير من علماء المسلمين، وبعد المدينة قصد كربلاء ولم يبق فيها كثيراً وعاد إلى النجف، وفيها اجتمع معه جماعة من علماءها الذين أشاروا عليه بأن يسافر إلى الكويت، وكان ذلك برجاء من بعض رجال الشيعة ساكني الكويت، وذلك لخلوها يومئذ من رجال الدين الشيعة، فأجابهم الطلب وتوجه إلى الكويت في عام 1908م وفي الكويت وعظ وأرشد وعلم علوم الدين حتى أصبح زعيماً للشيعة وإماماً للجماعة في مسجد المزيدي.
وعندما قامت الحرب العالمية الأولى في عام 1914 ودخلت الدولة العثمانية غمار الحرب غادر السيد محمد مهري القزويني الكويت قاصداً البصرة كي يحث الأهالي على مواصلة الجهاد ضد القوات البريطانية، لكن بعد احتلال البريطانيين البصرة عاد السيد إلى الكويت.
السور الثالث:
وأهم مرحلة من مراحل وجوده في الكويت تكمن عندما زاره الشيخ سالم المبارك في الحسينية الجديدة (الخزعلية) قبل حرب الجهراء، وعرض عليه ما يجري في الساحة من أحداث، فأبلغه السيد بأن أرض الكويت مكشوفة للأعداء ولابد من إقامة سور منيع وحصن يحفظ البلد ويصد الأعداء عن دخولها، وبهذا يكون السيد محمد مهدي القزويني هو صاحب فكرة بناء السور الثالث، وقد أشرف بنفسه على التخطيط لبناء السور فالتقى الأهالي وشجعهم وشحذ هممهم وبعث فيهم الروح القتالية وبأن هذا هو وطنهم الذي يجب عليهم أن يدافعوا عنه صوناً لعزته وكرامته وحريته.
وبالفعل بوشر العمل وكان ذلك في شهر رمضان 1919م وكان يجول بنفسه متفقداً أعمال البناء ويوجه البنائين بملاحظاته حول العمل.
في معركة الجهراء:
وعندما توجه الشيخ سالم المبارك إلى الجهراء لقيادة الجيش، كان القزويني من بين المكلفين بالبقاء في البلاد والاهتمام بشؤونها أثناء وجوده في أرض المعركة في الجهراء، فقام يحث الناس على مواصلة القتال وحراسة المدينة، حيث كان يقوم بمشاركة الأهالي في أعمالهم كالحراسة عند السور وبعث روح الوطنية وإلقاء الخطب الحماسية ضد المعتدين، ولا يخفى أن آل الصباح كانوا يستشيرونه في الكثير من الأمور ويأخذون برأيه، خصوصاً أيام الحرب، وكان الشيخ سالم المبارك عند خروجه إلى الجهراء قد عهد إلى ابن أخيه الشيخ أحمد الجابر أن يستشير رجال الدين والأعيان والتجار في حال الخطر والضرورة، ومع اشتداد الحصار في القصر الأحمر استطاع اثنان من الفرسان هما مرزوق المتعب، ومرشد الشمري- أن يصلا إلى الكويت ويخبرا الشيخ أحمد الجابر أن الشيخ سالم يطلب النجدة والمؤونة والسلاح، بوصولهما استدعى الشيخ أحمد أهالي الكويت فهبوا متحمسين للأمر فبلغ ذلك السيد القزويني فذهب للقاء الشيخ أحمد الجابر كي يخبره باستعداده لحمل السلاح والخروج إلى الجهراء مع جماعته، فأجابه الشيخ أحمد بأنه يفضل أن يكون السيد وجماعته يعملون للمحافظة على مدينة الكويت وحراستها إذا ما هاجمنا العدو على حين غرة.. هذا إلى جانب أن الشيخ أحمد قال له أيضاً (يا سيد.. إنك تعلم أن الأخوان يكفروننا ونحن على مذهب أهل السنة، وإذا علموا بخروجكم إلى قتالهم وأنتم على مذهب الشيعة فسيزيد ذلك من الأزمة وتتعقد وتتشدد).
فتم الاتفاق بينهما على أن تتولى جماعة السيد حراسة المدينة ويذهب الآخرون للقتال وكانت المجالس الدينية التي يعقدها السيد القزويني لا تخلو من المترددين لاستماع الوعظ والإرشاد الديني، مع ذكر سيرة سيد الشهداء (الحسين عليه السلام) وفاجعة مقتله.. وصادف أن أحد الملتزمين بحضور مجلسه ويدعى الشيخ حسن التبريزي وكان ملبسه ملبس رجال الدين والحقيقة أنه كان عيناً لبريطانيا ينقل ما يقوله السيد ويقوم بنقل أخباره للحكومة البريطانية في البصرة، ويبدو أنه نقل لأسياده أن السيد يشوش أفكار أهل الكويت ضد بريطانيا مما حدا الحاكم السياسي في البصرة أن يكتب إلى المعتمد البريطاني في الكويت يطلب منه توضيح الأمر، فقام المعتمد بسؤال الشيخ سالم المبارك عن ذلك، فرد عليه بتاريخ 12 فبراير 1918 أنه يستبعد وقوع مثل هذا، لكن المعتمد طلب من الشيخ سالم أن يجتمع مع السيد القزويني وفعلاً اجتمع المعتمد مع السيد بحضور الشيخ سالم في قصر السيف، وتم إجراء التحقيق فلم يثبت لديه ما يدينه فاعتذر إليه وأكرمه وكتب للحاكم السياسي في البصرة نافياً تلك التهم.
معرفة الطب:
وكان السيد محمد مهدي القزويني يحتفظ بعلاقة طيبة وحميمة مع الشيخ سالم المبارك والشيخ أحمد الجابر لأنهما عرفا هذا السيد خير معرفة في السراء والضراء واكتشفا معدنه الأصيل، وكان يزورانه بين فترة وأخرى، ولطالما كان الشيخ سالم المبارك يردد هذه المقولة أمام السيد بقوله: (إن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا رأيتم الملوك على أبواب العلماء فقولوا: نعم الملوك ونعم العلماء).
إلى جانب ذلك فإن المغفور له الشيخ عبد الله الجابر الصباح كان ممن عاصره وكان يحدث أصحابه في مجالسه الخاصة عن سيرته الحسنة وتاريخه المشرف.
إضافة إلى ذلك فإن السيد القزويني كان ملماً وعارفاً بالطب القديم، فقد برع في هذا المجال وكان له اليد الطولى في اكتشاف الأدوية الشعبية والعقاقير لعلاج الكثير من الأمراض المستعصية، وكان ينقل عن المغفول له الشيخ محمد الأحمد الجابر الصباح أن الشفاء كتب لي على يد السيد مهدي، وذلك أثر داء ألم به لفترة فعجز الأطباء عن علاجه وبلغ ذلك السيد فأعد له دواء جهزه بنفسه، ولم تمض أيام معدودة حتى شفاه الله من مرضه وأعاد له صحته وعافيته.
في البصرة:
وبعد أن أقام في الكويت لسبعة عشر عاماً، أراد السيد القزويني زيارة العتبات المقدسة في العراق في عام 1925م فاغتنم أهل البصرة فرصة مروره بمدينتهم وطلبوا إليه أن يبقى عندهم، فلبى الطلب وسكن البصرة، وأرسل إلى الكويت أخاه السيد جواد القزويني، وفي ديسمبر 1940 لبى نداء ربه ووافاه الأجل عن ستة وسبعين عاماً قضاها عالماً عاملاً مجاهداً، ونقل جثمانه من البصرة إلى النجف ليوارى الثرى هناك، تاركاً ما يقارب سبعين مصنفاً في مخلف علوم الدين، وقد رثاه الأديب المرحوم الشيخ علي البازي مؤرخاً عام وفاته قائلاً:
بكى الدين الحنيف وناح شجواً
إماماً عليماً علماً منقبـاً.
وأثكلت المحافـل مذ نعاه
له التاريخ نور المهدي غيب
أما أخوه السيد جواد فقد أقام في الكويت إماماً لجامع المزيدي ووعظاً ومرشداً وله أياد بيضاء وسيرة حسنة وتاريخ حافل حتى انتقل إلى جوار ربه في الكويت في 2 ربيع الآخر 1369 الموافق 21 يناير 1950م.
وبعد وفاة الشيخ أحمد الجابر واستلام الشيخ عبدالله السالم زمام الحكم سافر المرحوم يوسف شيرين بهبهاني إلى البصرة واصطحب معه المرحوم السيد أمير محمد نجل المرحوم السيد القزويني كي يلتقي بالشيخ عبدالله السالم الذي استقبله أحسن استقبال وثمن دور والده الكبير في تلك الظروف الصعبة والمهمة في تاريخ الكويت.
رحمكـ الله ايها السيد الجليل